سياسة

كاطالونيا تقرر مصيرها اليوم:بيدرو سانشيز: الديموقراطية أقوى من الوحل والأصوات أقوى من الخدع

   لأول مرة في الحياة السياسية الكاطالونية منذ أربع دورات انتخابية، تتراجع الأحزاب القومية – بهذه الجهة – إلى الخلف حسب آخر استطلاعات الرأي التي نظمتها المؤسسات المختصة في هذا المجال حيث المعطيات القادمة من هناك تشير إلى أن هذه الأحزاب مجتمعة – والتي تحولت جميعها اليوم الى حركات انفصالية تطالب بالاستقلال – لن تشكل الأغلبية العددية في البرلمان الكاطالوني القادم ومن تم لن تكون عاملا حاسما في تشكيل الحكومة الجهوية خلافا في السابق حيث تمكنها من ناصية المقاعد البرلمانية جعلها تحكم دون انقطاع : فالتحالف الثلاثي المشكل من اليسار الجمهوري (ERC)، وJunts per Catalunya، وCUP لم يحقق الحد الأدنى ( 68 مقعدًا من أصل 135) حسب هذه الاستطلاعات ، مما سيسمح لهم بالحكم دون انقطاع، كما كان عليه الشأن على مدار الأعوام الثلاثة عشر الماضية .

   ويرى المتتبعون لهذه الحركات القومية أن الحزب الاشتراكي الكاطالوني بزعامة سالفادور إيا، وبدعم من الحزب المركزي ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، سيكون العقبة الأساسية ضد هذه الأحزاب الكاطالونية إذ تمنحه استطلاعات الرأي صدارة الترتيب ناهيك عن الصعود القوي للأحزاب اليمينية خاصة الحزب الشعبي وحزب بوكس العنصري.

    كارليس بويغديمونت: عازم على العودة إلى إسبانيا (“ إذا اعتقلوني فسيكون اعتقالاً قصير الأمد ”).

  وتقوم حملة كارليس بويغديمونت الانتخابية على نظرية مفادها أنه الرئيس الوحيد للحكومة الكاطالونية -القادمة – القادر على الوقوف في وجه الحكومة المركزية بمدريد لكن حاليا يعد المرشح الوحيد الذي لم يواجه المرشحين الآخرين بسبب تواجده خارج الديار الكاطالونية بعد قراره القاضي بعدم التدخل عن بعد في المناظرات التي أجرتها بعض وسائل الإعلام بهذه المناسبة. وحسب بعض التحليلات فإن بويغديمونت يتجنب المواجهة خاصة مع مرشح الحزب الاشتراكي الكاطالوني لأنه تغيب عنه المعطيات ولا يملك السيطرة على القضايا اليومية – التي يعيشها المواطن الكاطالوني الإسباني – مثل قضايا الجفاف والتعليم والصحة والتمويل وقضايا أخرى…وعلى الرغم من هذا الغياب عن الشاشات فإن حزب Junts per Catalunya، يظل المتصدر الرئيسي لأحزاب كتلة الاستقلال متبوعا باليسار الجمهوري الكاطالوني (ERC)، و حزب CUP .

  وفي انتظار الموافقة النهائية على «قانون العفو»– الذي تقدم به رئيس الحكومة الإسبانية لطي صفحة أزمة كاطالونيا – في الكونغرس الإسباني ومن ثم دخوله حيز التنفيذ ونشر آثاره، أكد كارليس بويغديمونت، أنه يعتزم العودة إلى إسبانيا بعد هذه الانتخابات، نظرا لأنه مع قانون العفو “أصبح السياق مختلفا”. ويفترض أنه من الممكن أن يتم اعتقاله، لكنه واثق من أن هذا الاعتقال سيكون محدودا ولمدة قصيرة (“إذا اعتقلوني فسيكون اعتقالاً قصير الأمد”).

بيري أراغونيس رئيس الحكومة الكاطالونية
برلمان كاطالونيا يرفض بيري أراغونيس رئيسا للحكومة الكاطالونية

   من جانب آخر يرى بيري أراغونيس رئيس الحكومة الكاطالونية الحالية والزعيم اليساري لحزب اليسار الجمهوري الكاطالوني أنه بمجرد ظهور النتائج، سيتعين عليه حسم الاتفاقيات والمقترحات، والتي تتمحور في ثلاثة محاور أساسية:

  1 – حل النزاع مع الدولة من خلال إرساء أسس تسوية سلمية لحل أزمة كاطالونيا.

  2 – تنظيم استفتاء يخص استقلال جهة كاطالونيا.

  3 – تمويل خاص وفريد لجهة كاطالونيا وتعزيز دولة الرفاهية واللغة الكاطالونية.

  ويرى أنه من الأسهل بناء الإجماع حول هذه المحاور لأن الانتخابات يجب أن تكون “طريقا للمقترحات” بدلاً من الحديث على أساس عدد المقاعد الفائزة أو الألوان السياسية الأمر الذي قد يؤدي إلى الانسداد الآفاق.

  ويتهم بيري أراغونيس مرشح الحزب الاشتراكي الكاطالوني سالفادور إيا قائلا: “إنه الأقل انتماء لكاطالونيا والأكثر يمينًية في التاريخ” مضيفا: “لا أعتقد أنه نموذج يساري”.

  وتشير استطلاعات الرأي إلى أن مرشح حزب اليسار الجمهوري الكاطالوني قد يحتل المركز الثالث في هذه الانتخابات كما تستبعد توصله إلى اتفاقات مع اليمين المتطرف (فوكس وأليانسا كاطالانا)، لكنها تؤكد أنه سيحاول تشكيل إجماع حول مقترحاته السابقة، وليس على أساس الألوان السياسية.

 بوكس : “الدفاع عن النفس” والإسلاموفوبيا الخطر القادم في مجتمع كاطالونيا

   يخوض حزب بوكس العنصري اليميني المتطرف حملته الانتخابية في انتخابات كاطالونيا تحت شعار “الدفاع عن النفس”، وهو شعار يروم إلى “الدفاع المشروع” عن النفس، المنصوص عليه في قانون العقوبات لمن يستخدم العنف في مواجهة العدوان.

 غير أن هذا الشعار سرعان ما يتم تشويهه لأنه يستعمل في غير سياقاته المعمول بها في الدستور. ومن أبرز تلك التشوهات التي لحقت به هي إلحاقه بالثقافات المختلفة عن الثقافة المسيحية لخدمة أجندة عنصرية متطرفة من أبرز مقوماتها:

  • كراهية الآخر خاصة الأجانب القادمين من شمال إفريقيا؛
  • إثارة مسألة الإسلاموفوبيا الخطر القادم في مجتمع كاطالونيا؛
  • الالتزام بإعادة المهاجرين غير الشرعيين الى بلدانهم الأصلية كما تفعل بريطانيا في مشروعها القاضي بترحيل المهاجرين السريين إلى رواندا؛
  • إعطاء “الأولوية الوطنية” للمواطنين الإسبان عند الحصول على المساعدات العامة وليس للمهاجرين؛
  • “حق الآباء في تربية أبنائهم وفقا لقناعاتهم الأخلاقية”؛
  • معارضة تدريس التربية الجنسية أو المنظور الجنساني في المدرسة والذي يعتبر تدخل الدولة في البيئة الأسرية؛
  • استخدام البيانات الخاصة بالهجرة بشكل مغلوط وتقديم بيانات بديلة متحاملة ضد المهاجرين تروم تشويه صورتهم في المجتمع الإسباني عبر إلصاق التهم لهم بوصفهم مجرمين يشكلون خطرا محدقا بأمن المجتمع الإسباني.

   ومن المعلوم أن هذا الحزب اليميني المتطرف يدخل غمار سباق هذه الانتخابات بهدف الدفاع عن نتائجه في الانتخابات الكاطالونية الأخيرة عندما حصل على 11 مقعدا، أي أكثر من مقاعد حزبي سيودادانوس والحزب الشعبي مجتمعين معا وهو بذلك يدرك بالفعل أنه سيفقد مكانته كأول حزب لليمين الإسباني في كاطالونيا، لكنه يأمل ألا تؤدي حملة التنافس هذه بين حزب الشعب والحزب اليميني الجديد أليانسا إلى خسارة مقاعده.

الحزب الشعبي  : الخطر القادم للسانشيزية الإسبانية

    من جانبه يخوض الحزب اليميني الآخر– الحزب الشعبي الكاطالاني–غمرة هذه المنافسات على استراتيجية مغايرة تقوم أساسا على مناهضة بيدرو سانشيز رئيس الحكومة المركزية أو ما يسمى في الأدبيات السياسية اليمينية ب «السانشيزية » مع بعض التغييرات حسب الفضاءات السياسية : ذلك أن المركز – العاصمة مدريد – ليس هو كاطالونيا – العاصمة الاقتصادية – لذلك فإن الخطاب اليميني ستشوبه بعض التغيرات خاصة في مسألة قانون العفو – La amnistia – وسياق الحملة الانتخابية الذي يأتي متزامنا نسبيا مع سياق الانتخابات الأوروبية ورهانات الحزب الظرفية .

   وفي المسيرات التي نظمها هذا الحزب، بزعامة ألبرطو نونييز فيخو، لتقديم مرشح الحزب الشعبي أليخاندرو فرنانديز كان التركيز منصبا أساسا على مهاجمة حكومة بيدرو سانشيز في مشاريعها وبرامجها في الهجرة وسوق الشغل والأمن وقانون العفو والعلاقات المغربية الإسبانية  وتوجيه اللوم والنقد إلى الحزب الاشتراكي الكاطالاني جهويا بينما يتم مرور الكرام على مرشحي «كتلة الاستقلال» وهي الأحزاب القومية التي أصبحت تطالب بالانفصال كما أن العفو عن قادته – قادة كتلة الاستقلال – من خلال قانون تقدمت به الحكومـــــــــــة المركزيـــــــــة «  La amnistia  » لتجاوز أزمة كاطالونيا والذي عارضه الحزب الشعبي في استراتيجيته الوطنية بأكملها خلال النصف الأخير من العام، بالكاد يحظى بإشارة مستترة في تظاهراته الانتخابية حيث رفض هذا القانون – «العفو» – يكون عرضياً أو غير موجود؛ وذكر زعيم الحزب الشعبي في هذا الصدد إجراء السماح والاستفادة من هذا القانون مرة واحدة فقط ،مشككًا في أن حزب العمال الاشتراكي منح أعضاء هذه الكتلة ” كل ما يريدون مثل العفو”. وأكدت مصادر من داخل هذا الحزب أن القيادة لا تركز على رفض هذا القانون لأنه ليس محور خطابهم السياسي في كاطالونيا، فضلا عن أن ذلك يخيفهم من التصويت العقابي للكتلة المترددة التي تراهن على الحزب الشعبي في الانتخابات البلدية. بالإضافة إلى ذلك فإن القيادة لا تريد أن تثير المشاعر ضد قادة حركة الاستقلال أكثر من اللازم، فقد يكون المستفيد من هذا الخطاب التصعيدي هو حزب بوكس منافسه الأكبر. ويعترف قادة الحزب الشعبي بأن “مشكلة تعبئة الكثير من المناصرين لليمين هي أنهم قد يصوتون لصالح حزب فوكس”. وحتى الآن، أعطت معظم استطلاعات الرأي حول الحزب الشعبي الكاطالاني تفوقًا مريحًا على حساب حزب اليمين المتطرف بوكس، ولكن في أحدث استطلاعات الرأي، بدأ هذا الفارق يتقلص.

   وعموما فإن قادة هذا الحزب اليميني يشعرون أن المواطنين بهذه الجهة يريدون طي صفحة الماضي بأحداثه المؤلمة وتأثيراته الوخيمة على الاقتصاد والتنمية كما أن كاطالونيا بالنسبة إليهم تشكل دائما رمالا متحركة تحت أقدامهم ويفترضون في هذا الصدد أن مقاعدهم لن تكون حاسمة في البرلمان الكاطالوني معتقدين أن كاطالونيا محكوم عليها بالفعل بإعادة الانتخابات.

بيدرو سانشيز : لماذا يوجد دائماً توتر عندما يكون اليمين في المعارضة؟”

بوراس تتوسط سالفادور إيا وبيري أراغونيس
بوراس تتوسط سالفادور إيا وبيري أراغونيس

    يعطي الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني أهمية قصوى لانتخابات كاطالونيا بعد الخيبات الكبيرة التي تلقاها في الانتخابات الأخيرة لرئاسة الجهات والجماعات: فهي تمثل طوق نجاة بالنسبة إليه خاصة وأن الاستطلاعات الأخيرة تؤكد تفوقه واحتلاله المركز الأول ب 40 مقعدا متبوعا بأحزاب «كتلة الاستقلال» التي هي عاجزة لأول مرة حسب هذا الاستطلاع عن ترأس الحكومة الكاطالونية منذ أزيد من ثلاثة دورات انتخابية خاصة وأن الدورة الاقتصادية تسير بشكل جيد للغاية في البلاد: فلأول مرة تجاوز الاقتصاد الإسباني  21 مليون مشغلا لذلك ترى قيادة هذا الحزب أنها مقتنعة بأن سالفادور إيا مرشح الحزب الاشتراكي الكاطالاني هو « من سيفوز في الانتخابات وأنه سيحكم ، وأنها لا تفكر في أي سيناريو آخر مهما حدث» مؤكدة أن “مستقبل حكومة كاطالونيا سيقرره الكاطالونيون في صناديق الاقتراع، وسيقرر سلفادور إيإ الاتفاقات والتحالفات المستقبلية” مع حلفائه ناهيك عن أن هذا الفوز المتوقع جدا سيشكل دفعة قوية ل بيدرو سانشيز في سباق حملة الانتخابات الأوروبية المقبلة بالإضافة إلى أنه يبعث برسالة قوية مفادها أن كاطالونيا تقلب صفحة الماضي المتأزم بصفة نهائية.

    في هذا السياق تأتي زيارة بيدرو سانشيز إلى كاطالونيا وهي زيارة تتسم بكثير من الدقة بعد التعاطف الكبير والتضامن الذي لقيه من قبل حزبه والمجتمع المدني والتيارات التقدمية بشكل عام عندما قرر مواصلة المشوار في ترأس الحكومة ومواجهة اليمين مؤكدا في خطاب ألقاه بالمناسبة في حشد هائل أقيم بهذه المناسبة أنه بجانب الطبقة الوسطى والعمال والمهمشين والأغلبية الاجتماعية مشيرا أن السياسة” ليست من اختصاص الأقوياء، بل من اختصاص الأشخاص العاديين، الذين خدمناهم لمدة 145 عامًا وسنستمر في خدمتهم طوال وجود الحزب الاشتراكي العمالي”. وعلى هذا المنوال، ألقى زعيم حزب العمال الاشتراكي باللوم على اليمين في توليد مناخ الاستقطاب الذي تعيشه السياسة الإسبانية وهاجمه باعتباره مستنقعا ووحلا من الطين وتساءل: لماذا يوجد دائماً توتر عندما يكون اليمين في المعارضة؟” واقترح في هذا الصدد للتغلب على هذا الوحل بالتصويت لفائدة مرشح الحزب الاشتراكي الكاطالوني سالفادور إيا وكرر: “الديمقراطية أقوى من الوحل، والأصوات أقوى من الخدع، لذلك دعونا نجعل الديمقراطية تنتصر في 12 مايو” وتابع: “إنهم يضايقونني لكوني رئيس الحزب الذي رفع الحد الأدنى للأجور وأعاد تقييم المعاشات التقاعدية “.مؤكدا قوله : “نحن بحاجة إلى نصر أوسع من المرة السابقة لضمان الاستقرار”، في إشارة إلى الفوز الانتخابي عام 2021 في كاطاالونيا، وهو غير كاف لإيلا لتشكيل حكومة سالفادور إيا.

   الى جانب ذلك انتقد مرشح الحزب الاشتراكي الكاطالوني كتلة الاستقلال في طريقة تسييرها للشأن العام بكاطالونيا لأنها تسير ببطء بينما كان في إمكانها أن تسير الأمور بشكل أحسن وأعلن عن ضخ 800 مليون جنيه إسترليني إلى “أحياء” البلديات الكاطالونية حتى تصبح السياسات البلدية أقرب إلى السياسات الإقليمية.

 فهل تقرر كاطالونيا اليوم مصيرها بصفة نهائية لضمان الاستقرار؟

مصطفى الرواص

الإشراف اللوجيستيكي والفني والمالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى