الرأيالمرأةثقافة

“دليل القارئ إلى النظرية الأدبية المعاصرة ” للناقد رامان سيلدن

النظرية الأدبية المعاصرة

الكانب : حدو ميكيل

    تندرج ترجمة الفصل السادس من كتاب :”دليل القارئ إلى النظرية الأدبية المعاصرة ” للناقد رامان سيلدن ضمن المقاربات التي اهتمت بالمقاربات النسائية في إطارها النظري.وحسب الناقد المصري الدكتور جابر عصفور الذي أعد ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية فإن الكتاب ينطوي على دلالتين أساسيتين :

الدلالة الأولى تتعلق بالتعقد البالغ الذي تشهده الدراسات النقدية الغربية المعاصرة بسبب التراكم المعرفي الهائل الذي عرفته تطور العلوم الإنسانية والتمازج الكبير بين الحقول المعرفية؛

الدلالة الثانية ترتبط بالمشهد النقدي المعاصر الذي أصبح يتجاوز “المركزية الأوروبية ” وينفتح على أفق إنساني أرحب بفضل إسهامات الباحثين والمفكرين من ذوي الأصول غير الغربية مثل جوليا كريستيفا وتودوروف وإدوارد سعيد.

  على أن الوجه الإيجابي لهذا المؤلف الهام لاينبغي أن يلهينا عن سلبياته التي تتمثل بالأساس في النموذج النظري الذي يطرحه لتصنيف النظريات الأدبية ويتعلق الأمر بالنموذج البنيوي التصنيفي الذي يلغي المنهج التاريخي بتراكماته المتطورة المؤطرة للنظريات من حيث نشأتها وتطوراتها وتصارعها دائما حسب رأي المترجم .

   يتضمن الفصل المترجم ثلاث محطات أساسية مفصلية : تتعلق المحطة الأولى بالإشكالات النظرية التي يطرحها هذا النوع من الدراسات النقدية بينما تعرض المحطة الثانية للنزعة النسائية السياسية في هذه المقاربات النسائية من خلال باحثات وناقدات أدلين بدلوهن في هذا المجال في حين أن المحطة الثالثة تقف بالتحليل والنقد عند النظرية النقدية النسائية الفرنسية وتتعلق بالاتجاهين الماركسي وما بعد البنيوي:

      فيما يخص المحور الأول ترى الدراسات النقدية الغربية النسائية أن النظريات الأدبية الأكاديمية كانت دائما نظريات ذكورية تتضمن صفات الفحولة والصرامة والعزم والثبوتية والقطع لهذا يوجهن لها انتقادات لاذعة لما فيها من نزعة تمييز جنسي واضح ولما تفترضه هذه النظريات من كون أن النشاط الجنسي للمرأة يتشكل بواسطة “حسد القضيب “.على أن الأمر لا يستقيم دائما بهذا الشكل فهناك باحثات وناقدات انجذبن بقوة نحو جان لاكان وديريدا وفوكو وغيرهم من مفكري ما بعد البنيوية لأن هذا النوع من الكتابات عند هؤلاء المفكرين ترفض الجزم بالسلطة أو الحقيقة الذكورية .وتعتبر سيمون دي بوفوار أول من طرحت بوضوح الأسئلة الحارقة التي شغلت الحركة النسائية النقديــــــــة في كتابها”الجنس الثاني “حيث ترى أن المرأة تبدأ بالقول “أنا امرأة ” عندما تحاول تعريف نفسها بخلاف الرجل الذي لايفعل ذلك وهذا ما يكشف الاختلال القائم بين مصطلحي “مذكر” و”مؤنث “لذلك فالرجل هو من يحدد الإنساني وليس المرأة والتضاد بينهما يرجع إلى “العهد القديم” .

    ويرى رامان سيلدن أن هناك خمسة محاور أساسية تصدت للمناقشات التي همت الاختلاف الجنسي وتتعلق بالأساس :

المحور البيولوجي ويتناول الجوانب البيولوجية من حيث كونها أساس الاختلاف بين الرجل والمرأة من باقي أهمية المحاور الأخرى كالتنشئة الاجتماعية وغيرها..باعتبار أن “جسد المرأة هو قدرها “؛

محور التجربة وينبني على أساس التجربة الخاصة للمرأة بوصفها مصدرا للقيم المؤنثة الإيجابية في الفن والحياة مادامت النساء وحدهن يعانين تجارب الحياة الأنثوية النوعية كالإباضة والطمث والمخاض ..؛

محور الخطاب وينطلق من فرضية مفادها أن سيادة خطاب الرجل أوقع المرأة في فخ حقيقة الذكر الأمر الذي جعل من هؤلاء الكاتبات يدخلن في صراعات مع لغة الرجال بدل التقوقع والانحسار في قوقعة الخطاب الأنثوي ؛

خطاب اللاوعي وينطلق من نظريات التحليل النفسي كما هو الأمر عند لاكان وكريستيفا باعتبار أن بعض الكاتبات من هذه الحركة النسائية يناصبن العداء للنزعة البيولوجية عبر البحث عن صلة تربط بين الأنثى والعمليات التي تميل إلى تقويض سلطة خطاب الذكر بتبني لغة الانسياب للمعاني على نحو تصبح معه النزعة الأنثوية تدميرية ومنفتحة؛

خطاب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وينبني على أساس المنهج الماركسي الذي يربط بين تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتغير توازن القوى بين الجنسين .

    إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى المحطة الأولى فإن المحطة الثانية تعرض للنزعة النسائية السياسية في هذه المقاربات النسائية من خلال باحثات وناقدات أدلين بدلوهن في هذا المجال من بينهن كيت ميليت وميشيل باريت .

ترى كيت ميليت في كتابها “الجنسية السياسية ” أن النظام الأبوي يخضع الأنثى إلى الذكر بوصفها أدنى منه مؤكدة أن النظام الديموقراطي على الرغم من تقدمه ظل يجبر النساء على طاعة الرجال بواسطة دور الجنس المقولب الذي تخضع له النساء منذ أقدم العصور. لذلك كان التركيز منصبا في هذا الجانب على السياسي بمعنى حسب المؤلف أن الحركة النسائية النقدية كانت منشغلة بتعميق وعي النساء السياسي من حيث قهرهن بأيدي الرجال لتشكيل قيم تخالف الأعراف الموجودة عند الرجال وللبحث عن قارئات مؤنثات وهو طرح يمتح بوضوح من المنهج الماركسي .غير أن كتابات ميليت تعرضت للنقد من طرف الحركات النسائية باعتبار أنها أساءت فهم الطبيعة الملتوية العميقة لكتاب جان جينيه “يوميات لص “الذي لا ترى منه سوى إذلال الأنثى والحط من قيمتها. وفي السياق نفسه تذهب كتابات باريت وألين شولتير المنحى نفسه على أساس أن هناك مراحل ثلاث أساسية مرت منها الكتابة النسائية :

المرحلة النسائية ما بين 1840 – 1880 وتتضمن أعمال إليزابيث جاكسل وجورج إليوت التي حاكت فيها هذه الأعمال المعايير الجمالية الرجالية السائدة ؛

المرحلة النسائية الثانية 1880 – 1920 وتتضمن كتابات إليزابيتث روبينز وأوليف شراينر التي اتسمت بالدعوة إلى المساواة بين الجنسين ؛

المرحلة الثالثة ما بين 1920 وما بعدها وتضمنت أعمال فرجينيا وولف وغيرها وهي أعمال اتخذت لنفسها موضوع وعي الأنثى باعتبار أن المرأة كانت سجينة لكتابات الرجال بوصفها “الملاك في المنزل” لذلك ذهبت محاولاتها إلى البحث عن أساليب لغوية لوصف الحياة الحبيسة لدى النساء على أساس أن تجربتها مختلفة عن الرجل وليس على أساس بيولوجي جنسي ومن هنا كانت البراعة الأسلوبية التدميرية المراوغة حاضرة في كتاباتهن…

   أما بخصوص المحطة الثالثة فهو محور يقف بالتحليل والنقد عند النظرية النقدية النسائية الفرنسية في بعديها الماركسي وما بعد البنيوي حيث تأثرت هذه الحركة النقدية النسائية بكتابات لاكان وديريدا باعتبارها كتابات تجاوزت العداء الغالب على الحركة النسائية عموما ضد فرويد وضد مركزية القضيب مؤكدة أن التحليل النفسي ليس تزكية لمجتمع النظام الأبوي وإنما هو تحليل لهذا المجتمع كما أن فرويد يصف تمثيلا ذهنيا لواقع اجتماعي وليس الواقع نفسه علما أن كتابات لاكان تميل إلى دعم خطاب نسائي مضاد لمركزية اللوجوس وجذاب ولغوي وشعري يرفض الجزم بالنتائج أو تأسيس الحقائق … وهو ما سنعثر عليه لاحقا في كتابات كريستيفا التي ارتبطت أساسا بالاستقطاب بين الأنساق العقلانية المغلقة والأنساق المفتوحة اللاعقلانية  خاصة في أبعادها المترتبة في شعر مالارميه في ارتباطه الوثيق بالثورة السياسية وتحرر النساء على أساس أنه لابد لابد للحركة النسائية من ابتداع أشكال فوضوية تستجيب إلى خطاب الطليعة….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى